مصر في أحداث النهاية
في زمن تصل فيه الأرض إلى أقصى درجات الفوضى وتصبح الحياة جحيمًا لا يُطاق، تنهار الحضارات أمام طوفان الفساد والدماء، إذ تُسفك الدماء بلا رحمة، وترتفع أصوات الصراخ، وتتوالى مشاهد الرعب. ياجوج وماجوج أقوام خرجوا كالسيل الجارف، لا قوة على وجه الأرض تستطيع ردعهم، ولا جيش يقوى على مواجهتهم.![]() |
مصر في أحداث النهاية: الملاذ الأخير وسط فوضى ياجوج وماجوج |
ستبرز أرض واحدة كآخر ملاذ آمن للبشرية، إنها أرض مصر في أحداث النهاية، حين يخرج ياجوج وماجوج كالجراد المنتشر، يكتسحون الأرض ومن عليها، يفتكون بالبشر، ويصطدمون بالحجر، ويأكلون الشجر، ويجففون البحيرات في طريقهم. لن يكون هناك مكان آمن على وجه الأرض يستطيع المؤمنون الاحتماء فيه من بطشهم إلا مكان واحد أذن به رب العالمين.
مصر الملاذ الأخير للبشرية
هناك في أرض مصر، حيث أمر الله جل شأنه نبيه عيسى -عليه الصلاة والسلام- أن يحتمي مع أتباعه. لكن لماذا مصر تحديدًا؟ وما السر وراء هذا المكان الذي سيصبح الحصن الأخير للبشرية في ذلك الزمان؟ وهل كان لهذا البلد دور ممتد عبر التاريخ وصولًا إلى آخر الزمان؟مصر عبر التاريخ وحتى نهاية العالم
إن ذكرى مصر لا تنقطع عبر حركة التاريخ الإنسانية، إذ نجدها حاضرة منذ القدم، ثم في عهد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عصر الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين-، ثم في مختلف المراحل التاريخية وعبر الدول والإمبراطوريات المتعاقبة. ودائمًا نجد أن اسم مصر حاضر في هذه الأحداث، بل يستمر ذكرها حتى نهاية الدنيا.
من بين النصوص التي تشير إلى ذلك، حديث صحيح رواه الإمام مسلم -رحمه الله- عن الصحابي النواس بن سمعان -رضي الله عنه-. وهو حديث طويل، لكننا سنأخذ منه جزءًا يتعلق بموضوع حلقتنا. يذكر الحديث أنه بعد ظهور المسيح الدجال وقتله على يد عيسى -عليه الصلاة والسلام- عند باب لد، يظهر بعد ذلك ياجوج وماجوج، وهم أقوام كثيرة العدد عظيمة الفساد. وهنا يأمر الله -تعالى- عيسى -عليه السلام- بعدم مواجهة قوم ياجوج وماجوج، لأنهم قوة لا قبل لأحد من البشر بمواجهتهم.أمر الله لعيسى باللجوء إلى جبل الطور
ورغم أن عيسى -عليه السلام- قد قتل المسيح الدجال، الذي لم تكن هناك فتنة في التاريخ أشد منها، إلا أن الله -عز وجل- يأمر نبيه عيسى -عليه السلام- بعدم التصدي لياجوج وماجوج، بل يأمره باللجوء إلى الجبال، وتحديدًا إلى جبل الطور، والابتعاد عن المواجهة معهم حتى يقضي الله -عز وجل- أمره فيهم. وهكذا نجد أن ذكر مصر يمتد حتى أحداث آخر الزمان، ليظل اسمها شاهدًا على تقلبات التاريخ منذ القدم وحتى نهاية العالم.موقع جبل الطور واختلاف الآراء حوله
يثير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تساؤلات حول موقع جبل الطور المقصود في هذا الحديث. هناك آراء مختلفة حول ذلك؛ فالبعض يرى أن الطور المذكور قد يكون في بيت المقدس، بينما يرى آخرون -ومنهم الإمام القرطبي وغيره- أن المقصود هو جبل الطور الموجود في أرض مصر.الأدلة على وجود جبل الطور في سيناء
هذا الرأي يستند إلى أدلة علمية، حيث إن إطلاق لفظ "الطور" بهذه الصيغة يرجح أن المقصود هو الجبل الأشهر بهذا الاسم، وهو المذكور في مواضع متعددة من القرآن الكريم، وهو الطور الذي في أرض مصر. كما أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسه ذكر جبل الطور في أحاديثه.ذكر جبل الطور في الحديث النبوي
ورد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والبخاري -رحمهما الله- أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: "يصعق الناس يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور".استنتاجات حول جبل الطور ومكانه الآمن
بهذا يتضح أن جبل الطور قد يكون هو الملجأ الآمن في ذلك الزمان الرهيب، كما ورد في الحديث الشريف. فعندما يفيق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن يُصعق الخلائق، فإن أول ما يراه -صلى الله عليه وسلم- هو نبي الله موسى -عليه السلام-، حيث يجده قائمًا بالفعل غير مصعوق، ممسكًا بإحدى قوائم العرش.لماذا بقي جبل الطور قائمًا رغم تجلي الله عليه؟
من الأسئلة المطروحة: إذا كان الله -عز وجل- قد تجلى للجبل فجعله دكًّا، فكيف لا يزال الطور موجودًا؟ والإجابة هي أن تجلي الله -سبحانه وتعالى- لم يكن بالضرورة على الجبل بأكمله، بل من المحتمل أن يكون قد تجلى على جزء منه فانهار هذا الجزء، بينما بقي باقي الجبل قائمًا.القرآن الكريم يحدد موقع الطور في سيناء
يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين"، ويقسم -جل شأنه- في سورة التين بقوله: "والتين والزيتون وطور سينين". إذاً، فقد ذُكر الطور صراحة في سيناء، وأعيد ذكره في مواضع أخرى من القرآن الكريم، مما يجعل الأمر واضحًا لا جدال فيه.أنهار الجنة ونهر النيل
ومن الأمور العجيبة، أن نهر النيل مذكور في الجنة أو أنه من الجنة. فقد ورد في حديث صحيح رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيحان وجيحان، والفرات، والنيل، كل من أنهار الجنة".