recent
أخبار ساخنة

نقد كتاب- الأب الغني والأب الفقير

 الأب الغنى والأب الفقير

احبائي عشاق القراءة و متابعينا على موقع فوائد الكتب  ليس كل كتاب مشهور يكون مفيدا ويناسب كل المجتمعات. لذلك سنقدم اليوم  نقد ومراجعة كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، وتحته عنوان فرعي "ما يعلمه الأثرياء ولا يعلمه الفقراء وأفراد الطبقة الوسطى لأبنائهم عن المال" للمؤلف الأمريكي روبرت تي كيوساكي. هذا الكتاب من أسوأ الكتب التي قرأتها في حياتي ، و سأطرح عليكم الأسباب في السطور التالية.

مراجعة كتاب- الأب الغني والأب الفقير

 أعلم أن الكثير من الناس قرأوا هذا الكتاب و أعجبوا به، والكتاب نفسه مشهور جدًا ولا تخلو أرصفة الكتب في القاهرة من وجود هذا الكتاب. بجانب أنه مشهور على مستوى عالمي، فقد ترجم إلى لغات كثيرة وحصل على جوائز و تقييمات عالية جدًا ومن الكتب الأعلى مبيعا في الدول العربية. المؤلف نفسه ألقى العديد من المحاضرات والدورات عن هذا الكتاب.

جمهور الكتاب

أرى أن الكتاب ليس موجهاً أصلاً للقارئ العربي أو للواقع الاقتصادي العربي. أفهم أن الكتاب يكون له صدى كبير في أمريكا، لكن في دولة مثل مصر نظامها الاقتصادي مختلف والوضع الاقتصادي للإنسان المصري مختلف تماماً عن وضع الإنسان الأمريكي.

 ففي حين أن الإنسان الأمريكي لا يوجد لديه تجنيد إجباري ولا يجب أن يدرس حتى سن 22، يمكنه العمل بسهولة والحصول على راتب يساعده في العيش حياة كريمة وكل ذلك في سن صغيرة، هذا الوضع مختلف تمامًا في مصر. بالإضافة إلى أن الطبقة الفقيرة والمتوسطة في أمريكا مختلفة تماماً عن الطبقة الفقيرة والمتوسطة في الدول العربية.

عنوان الكتاب

عنوان الكتاب نفسه وقصته فيهما إشكالية كبيرة، فالقصة تتحدث عن وجود والدين: الأب البيولوجي الذي قضى حياته في التعليم ولم يعلم ابنه كيفية جمع الثروة، وكان هذا هو دوره الوحيد في الحياة، والأب الواقعي الذي هو الأب الغني والذي علمه الأشياء التي لم يعلمه إياها والده الحقيقي، علمه كيفية جمع الثروة. 

الكتاب يقدم في الواقع مقارنة ليست فقط مضحكة ولكنها في غاية الحقارة، وعلى امتداد صفحات الكتاب يستمر المؤلف في السخرية من الأب البيولوجي الذي ضحى بكسب المال مقابل اهتماماته العلمية. مسألة اللعب على أوتار التربية وربط الأبوة بأننا نربي أبناءنا في المقام الأول ليكونوا أثرياء تجعل عنوان وقصة هذا الكتاب في غاية الانحطاط.

 أن يسمي المؤلف أباه البيولوجي بالأب الفقير تحقيراً منه، و تعليماً أيضاً لأن هذا الأب الفقير كان رجلاً أكاديمياً بينما الأب الغني كان تعليمه المدرسي ضعيفا لكنه ثري. والكتاب نفسه من المفترض أنه كتاب اقتصادي لكنه مليء بالكلام التنموي البشري و الإكثار من الكلام العاطفي.

مضمون الكتاب

في معظم صفحات الكتاب يعتمد المؤلف على اللعب على وتر العاطفة والإحساس، وكل حين وآخر يقول لك "فكر خارج الصندوق" دون أن يقدم خطة واضحة لتحقيق حلم الثراء الذي صدعنا به في الكتاب. أسلوب الكتاب متطرف جداً في الطرح.

فمثلاً يقول في أحد الأيام "اشتريت قطعة أرض بـ 9000 دولار و بعتها مقابل 25 ألف دولار مما سمح لي بشراء سيارة بورش." في هذا السياق، يسأل المرء: متى اشتريت هذه الأرض و بعتها؟ ما مساحتها؟ ولماذا ارتفع سعرها؟ ما نوع هذه الأرض؟ ومن أين حصلت على 9000 دولار أصلاً؟ وما الهدف هنا من ذكر شراء سيارة بورش؟ الكتاب مليء بأمثلة من هذا الهراء.

أيضاً من الأفكار التي تحدث عنها كثيراً هي فكرة تحقير الوظيفة، وأنك لو استمريت في الوظيفة ستظل عبداً إلى الأبد. وكان اختيار طريق الوظيفة يساوي الفشل، حتى أنه كان يسخر من وظيفة والده الحقيقي وهي التدريس. كان من المفترض أن يترك والده التدريس بحجة السعي للثراء.

 فكرة التقليل من شأن الناس الذين يختارون التعليم والعمل الآمن كأسلوب حياة هي فكرة ضعيفة جداً. ليس كل الناس يحبون فكرة العمل الحر، والعمل الحر نفسه ليس مريحاً كما يصوره المؤلف. بالعكس، في العمل الحر تعمل لساعات أكثر وتفقد العديد من المزايا الموجودة في الوظيفة.

 ولو فرضنا أن الناس تركت الوظائف، ما هو نوع المجتمع الذي سنعيش فيه إذا توقف الجميع عن الوظيفة وعاشوا حياتهم في عالم من الأحلام الوهمية؟ حتى العمل الحر الذي ستقوم به أو الشركة التي ستبنيها ستحتاج إلى موظفين. من المفترض أن يوجه المؤلف اللوم إلى نقص الأجور التي يدفعها الأثرياء للموظفين وعدد الساعات الطويلة التي يعملها الناس. 

وبالتالي، كان طرح الكتاب عشوائياً جداً، مجرد عواطف يضعها في الكتاب ويثير الحماسة، بالإضافة إلى اعتماده على الأكليشيهات الشعبية أو ما يسميه البعض بعلم النفس الشعبي مثل "استعد للمغامرة"، "ادخل على الأثرياء". ومن ضمن المقولات المشهورة جداً في الكتاب "لا تعمل من أجل المال بل اجعل المال يعمل من أجلك"، وأيضاً "الفرص العظيمة لا تُرى بأعينك بل تُرى بعقلك". 

حكايات مبالغ فيها

الكتاب مليء أيضاً بالحكايات المبالغ فيها، وعلى امتداد صفحات الكتاب يسخر المؤلف من أسلوب حياة الفقراء. في 90% من صفحات الكتاب يسخر فيها المؤلف من أسلوب حياة الفقراء. يقول لك الفقراء فقراء لأنهم كسالى ويشترون أشياء كثيرة و يأخذون قرارات سيئة. وفي مرات أخرى، يقول الفقراء فقراء لأنهم يريدون أن يكونوا فقراء وأنهم يدعون الله ليرزقهم. 

الحقيقة أن المؤلف منحاز بشكل فج للأغنياء. مثلاً يقول إن السبب الرئيسي للفقر أو الصراع المالي هو الخوف والجهل وليس الاقتصاد أو الحكومة أو الأغنياء. و استوقفتني عبارة غريبة جداً كان يقولها في الكتاب على لسان والده الثري "الفقراء أكثر طمعاً من الأغنياء". بالطبع هذا كلام ضعيف جداً ولا يحتاج للرد عليه.

 الصورة انقلبت وأصبح الثري الذي يجمع الأموال قنوعاً و راضياً بينما الفقير هو الطماع. وفي الحقيقة، لفت نظري الرسائل الموجودة في الكتاب التي كانت في غاية الوحشية والأنانية وتغلب بشكل كبير جداً على الكتاب. مثلاً عندما عرفنا أن هناك طريقتين للتفكير يسميها "طريقة الفقراء" و"طريقة الأغنياء"، ومشكلة الفقير هي أنه يفكر تفكير الفقراء وليس تفكير الأغنياء.

 مثلاً، يقول على مر السنين قابلت العديد من الخاسرين الذين يصلون إلى الله لمنحهم الذهب، الله يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم. ومرة أخرى يقول ربما كان الغزاة قتلة ولصوصاً لكنهم على الأقل عرفوا كيف يساعدون أنفسهم. وبالتالي هنا يريد أن يقول لك ساعد نفسك بأي وسيلة، بالسرقة أو بالقتل من أجل الوصول إلى ما تريد، من أجل الوصول إلى حلم الثراء. 

التكرار

وفي الحقيقة، الكتاب مليء بالتكرار والدوران حول فكرة واحدة، فكرة أنه يريد أن يعرفك على عالم الأغنياء السري. يقول لك معلومات لا يعرفها غير الأغنياء. وفي الحقيقة، هذا الكتاب فعلاً لو أردت تلخيصه لا يمكن أن يتجاوز الصفحتين. قد يروق هذا الكتاب للبعض، لكني بصراحة أعتقد أن هذا الكتاب هو أحد أكثر الكتب غباءً والأكثر إثارة للمشاعر، مجرد آراء وخزعبلات بدون أي حقائق.

 وأشهد للمؤلف أنه استطاع خداع القراء حتى أنه ذكر السبب الذي جعله يسمي الكتاب بهذا الاسم "الأب الغني والأب الفقير". يذكر أنه حدثت محادثة بينه وبين الناشر، الناشر كان يريد أن يسمي الكتاب "اقتصاديات التعليم"، فرد عليه المؤلف: لو سمينا الكتاب بهذا الاسم فلن يُباع منه غير نسختين، واحدة لأسرته والنسخة الثانية لصديقه المقرب.

في المجمل، هذا الكتاب هو كتاب تحفيزي على الطريقة الأمريكية أكثر منه كتاب اقتصادي حقيقي، والبعض قد يعتقد أن هذا الكتاب هو كتاب نصائح للثراء، لكنه في الحقيقة يتحدث عن تجربة المؤلف، والتي لا يمكننا التحقق من صدقها. بجانب أن جزءاً كبيراً جداً من الخيال أضافه المؤلف لتجربته.

 برأيي، هذا الكتاب لا يصلح في واقعنا العربي والمصري، وهذا شيء طبيعي لأن الكتاب ليس موجهاً أصلاً إلى الواقع المصري أو العربي. المؤلف نفسه لا يعلم شيئاً عن الواقع الاقتصادي والسياسي في هذه المنطقة. بجانب أن المؤلف يعتبر دونالد ترامب قدوة ومثلاً أعلى في الثراء، على الرغم من أن النموذج الذي ذكره في الكتاب يهدم الكثير من أفكار هذا الكتاب. 

ترامب سليل لعائلة ثرية. يمكن أن الشيء الوحيد الذي خرجت به من هذا الكتاب هو أن أبحث عن كتاب اقتصادي موجه أساساً إلى المنطقة التي أعيش فيها، كتاب يكون على دراية بالوضع السياسي والاقتصادي المصري مثلاً، ليس كتاباً كتب لمنطقة أخرى مختلفة عن المنطقة التي أعيش فيها.

الفائدة

 بمنتهى الوضوح، فكرة ترجمة هذا الكتاب وترشيحه للقارئ العربي وأنه سيغير من مستواه الاقتصادي هي فكرة غير منطقية. سياق ووضع الأزمة في الواقع الأمريكي مختلف عن الواقع العربي أو المصري. مشكلات أمريكا ليست نفس مشكلات العالم العربي، والتركيبة الاجتماعية والقيمية للإنسان العربي والمسلم مختلفة عن الإنسان الأمريكي. 

كيف تعالج التجربتين المختلفتين بنفس الحل؟ يمكن قراءة هذا الكتاب لقضاء وقت الفراغ، لكنه برأيي لن يساعدك كثيراً على المستوى الاقتصادي. أطلت الحديث قليلاً عن هذا الكتاب وأود أن ألفت انتباهك قبل أن انهي المقال إلى أنني لم أتكلم عن فكرة الربا والفوائد التي تحدث عنها الكتاب.

 ولذا أقول أن هناك اختلافات قيمية ودينية في الكتاب، والكثير من النصائح الواردة في هذا الكتاب مشكوك فيها ليس فقط من منظور إسلامي ولكن من منظور أخلاقي وإنساني. حاول أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار إذا قرأت الكتاب. أنا شخصياً لا أوصي بإهدار المال وشراء هذا الكتاب، يمكنك قراءته بنسخة PDF. أقول ذلك لأنك لن تستخدم الكتاب كمرجع أو دليل عملي.
google-playkhamsatmostaqltradent