كيف نقرأ الأدب - تيري ايجلتون
مرحبا بك عزيزي القارئ من جديد في موقع فوائد الكتب، هل سألت نفسك يوما ما الفرق بين قراءة الكتب وقراءة الروايات ؟ هل قراءة مثلا رواية مثل رواية العمى لجوزيه ساراماغو والتي عرضنا لها مراجعة من قبل على موقعنا مثل قراءة كتاب غيرة اللغات؟ و هل قراءة تقرير إخباري تختلف عن قراءة رواية أو قصيدة أو مسرحية؟ إذن ما هو العنصر المختلف في الأدب عن غيره من الكتب؟ وعلى أي أساس نحكم على عمل أدبي أو رواية بأنه جيد أو رديء؟ دعونا نستعرض كتاب كيف نقرأ الأدب لتيري ايجلتون والذي سيجيب عن تلك الأسئلة.
وُلد تيري ايجلتون في في 22 من شهر فبراير 1943 في سالفورد بمقاطعة لانكشاري الإنجليزية لأسرة كاثوليكية ايرلندية تنتمي الى الطبقة العاملة تمتد جذورها في عمق مقاطعة غالواي، حيث تلقى دراسته الأولية في مدرسة لاسال كويج، والتحق بعد ذلك بكلية ترنتي في كمبردج حيث حصل منها على شهادتى الماجستير والدكتوراه.
في العام 1964 اصبح زميل في كلية يسوع بكامبردج منذ القرن الثامن عشر ، وفي سنة 1969انتقل الى أكسفورد ومارس التدريس في كلية وادهام حتى عام 1989، وفي كلية لنكاري حتى عام 1993،ثم انتقل ايجلتون عام 2001 من مدينة أكسفورد ليأخذ كرسي جوان ادوارد تايلور في النظرية الثقافية في جامعة مانشستر.
عنوان الكتاب
قبل أن استعرض فصول الكتاب التي تقع في 250 صفحة، سأقف قليلا عند العنوان، كيف نقرأ الأدب، فما يعنيه إيجلتون بالقراءة هنا هي القراءة التحليلية التي يسميها نتشه القراءة البطيئة، ويمارسها طلاب الأدب والنقد، وليست القراءة التي أقوم بها أنا وأنت وعموم القراء.
ولذلك فالعنوان الأدق لموضوع الكتاب هو كيف نقرأ الأدب قراءة تحليلية أو نقدية، ولقد حرصت على توضيح هذه النقطة حتى لا يحبط القارئ، إذا قرأ الكتاب ظنا منه بأنه موجه له، بينما هو في المقام الأول موجه لطلاب الأدب في القراءة التي يقدمها ايجلتون هنا. نوع أو مستوى آخر من مستويات القراءة.
لا، يعني، وهذا رأيى الشخصي، أن من لا يقرأ الأدب بنفس الطريقة، فهو لم يقرأ الأدب، وكأن القراءة حصر على هذه القراءة التحليلية، فهذا إقصاء لمعنى القراءة، والأمر أشبه بأن تقع على كتاب كيف تشاهد مباريات كرة القدم؟ وإذا تصفحت الكتاب، وجدته يشرح الخطط الهجومية والدفاعية 442 و253، وتحركات المحور، والجناح والظهير، هذا لا يعني أن من لا يشاهد كرة القدم بهذه النظرة التحليلية لم يشاهدها، لكن هذا مستوى آخر من المشاهدة أو القراءة.
هدف الكتاب
مع أن الكتاب يشرح لنا كيف نقرأ الأدب، إلا أننا سنجده أيضا يجيب عن سؤال لماذا نقرأ الأدب؟ لكن قبل أن استعرض هذا الكتاب، سأحذرك من ورطة وقعت فيها، فالكتاب محتشد بالإحالات تتجاوز المائة إحالة، وإذا كنت مصابا بالفضول مثلي، وعند كل عنوان تقع عليه تبحث عنه وتشتريه وتقرأ بعضه، فسينتهي بك الحال إلى أمرين، أولا ستفلس، وثانيا لن تنتهي من قراءة الكتاب إلا بعد أمد.
هذه القراءة التحليلية للأعمال الأدبية هو فن يقترب من الموت، ومعرض لخطر الاندثار، بحسب رأي اجلتون، وهو يسعى في هذا الكتاب الى إنقاذه وتصحيح الفكرة التي ترى ان التحليل عدو المتعة، من خلال شرح بعض الأدوات والمفاهيم والقضايا التي استعرضها في خمسة فصول.
الفصل الأول
في الفصل الأول بعنوان الافتتاحيات ، هو مدخل جميل بدأ به إيجلتون الكتاب اعتنى فيه بعنصر اللغة في الأدب واللغة، في اعتقاد ربما هي أهم يميز النص الأدبي، لأن الشكل الأول أسلوب لا يقل أهمية عن المضمون في الأدب. يعني اللغة في العمل الأدبي، كما يقول المؤلف ليست مجرد وسيلة، بل هي تؤسس لتجربة القارئ، أو المتلقي.
عموما في سورة الضحى التي قيل في سبب نزولها أن الوحي انقطع عن النبي فترة، فقال بعض المشركين مع أرى صاحبك إلا قد قلاك، وما أرى شيطانك إلا تركك، فهُم النبي لذلك، فنزلت ( وَٱلضُّحَىٰ (1) وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3) وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ (4) وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ (5) أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ (6) وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ (7) وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ (8) فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ (9) وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ (10) وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ (11)
أود أن تلاحظ كيف تتناسب قافية الأعياد شكل النص مع مضمونه الذي يواسي النبي ويطمئنه، { أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ (6) وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ (7) وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ (8)} لكننا إذا أكملنا قراءة سنلاحظ اختلاف شكل النص حينما تحول مضمونها من المواساة الى الأمر،{ فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ (9) وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ (10)}
اختلفت قافية الآيات من الألف الممدودة فآوى فهدى، فأغنى التي تناسب السلوان إلى الراء الساكن القاطع التي تناسب الأمر، { فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ (9) وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ (10) وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ (11)} وكان هذا التحول في الشكل متناسبا مع المضمون، وهو مما يناقشه النقاد في تحليل النص الأدبي.
فاختلال الإيقاع الإيقاع الصوتي، مؤثر في انتباه القارئ، وتأثير هذا الشكل واللغة في النص الأدبي قد لا يدركه القارئ في وعيه، لكنه يشعر به في تجربته عند قراءة النص، وهذا ما يعنيه المؤلف حينما قال أن اللغة في العمل الأدبي ليست مجرد وسيلة، بل هي تؤسس لتجربة القارئ والمتلقي.
يعني مثلا حينما اختارت جيكي رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر للشخصية الشريرة اسم فولدمورت لم يكون هذا عبثا فالإنجليزية عشرات الكلمات التي استعرضها المؤلف في الكتاب، وتبدأ بالحرف v تحمل معالم سلبية ، بحيث حينما يمر القارئ الإنجليزي باسم فولدمولت سيشعر بالشر الذي تضمره هذه الشخصية من اسمها فقط،.
اثر الترجمة على النص
لذلك متى تظهر أهمية هذه الجوانب الخفية في النص الأدبي حينما يترجم؟ يعني تخيلوا لو تُرجمت سورة الضحى، ستختفي العلاقة المضطرده التي كانت بين الشكل والمضمون، لما انتقلت الآيات من المواساة إلى الأمر فاختلفت تبعا لهذا الانتقال قافية الآيات الصوتية من الألف الممدودة الى الراء القاطعة.
وهذه أحد الفروقات بين النص الأدبي والتقرير الخبري فاللغة في تقارير الأخبار هي مجرد وسيلة لوصول المعنى، ولذلك تفي الترجمة غالبا بنقل المعنى، بينما اللغة في النص الأدبي هي بحد ذاتها قيمة مقصودة، وتؤسس لتجربة القارئ، ولها وظائف قد لا يدركها، حتى المترجم.
واجيلتون كان مدركا لهذه النقطة، لكنه كان يرى خسارتها تظهر فقط في قراءة الأعمال الكلاسيكية، حينما نقرأ إنجليزية شكسبير مثلا التي تختلف عن إنجليزية اليوم، و لم يشر إلى الترجمة من لغة إلى أخرى والتي تظهر فيها الخسارة بصورة أكبر، طبعا هذا الجانب الصوتي في اللغة هو أحد الأمثلة التي تشرح علاقة الشكل بالمضمون في النص الأدبي وقد يكون ظاهرا في الشعر أكثر من غيره.
الفصل الثاني
في الفصل الثاني انتقل المؤلف إلى الحديث عن الشخصية في العمل الأدبي، فحاول أولا أن يشرح مفهوم الشخصية فأنا الآن لو سألتك عن شخصيتك أو شخصية صديقك أو صديقتك فغالبا لن تكون إجابتك هي سمات نشترك فيها جميعا، إنما ستجيب بما يميز أحدنا عن الآخر.
يعني لن تقل مثلا شخصيته أنه يأكل أو ينام، هذه سمات نشترك فيها جميعا ولا تعد جزءا من شخصيتنا أو علامة لنا، لكنك قد تذكر أنه ينام عند الحزن أو يتجنب أكل بعض الأصناف مثلا، فما يميز أحدنا عن الآخر أهم بكثير مما نشترك فيه، كما يقول المؤلف، وهو ما يميز شخصية في رواية عن شخصية أخرى.
هذا العنصر قد لا يدركه القارئ في وعيه، لكنه يشعر به في تجربته عندما يقرأ الرواية فيرتبط عاطفيا بشخصية ما في العمل الأدبي، أو يتماهى معها، ولا يعلم لماذا؟ وهذا مما تحدث عنه المؤلف، ولماذا يميل القراء أحيانا إلى الإعجاب بالنماذج غير السويه، أو الشخصيات الشريره ؟ كيف يبدو الخبث أكثر، فتنه وإغواء في بعض الأعمال؟ وهذا يتطلب من الكاتب القدرة على التماهي مع شخصيات الرواية والتنقل بينها.
الكاتب والروائي إيطالي البرتو إيكو أيضا يذكر في نفس الكتاب الذي استشهد به سابقا " تأملات في السرد الروائي" إنه لما أراد الكتابة عن شخصية في رواية له، وكانت هذه الشخصية تخرج في ليلة 24 جون وتمر على بعض الأزقة في باريس، وكان يسمى الشوارع والأزقة.
قال ألبرتو إيكو كنت من أجل كتابة هذا الفصل، أقوم في الليل وأسير في نفس المسار الذي ستمشي في هذه الشخصية وبحوزتي آلة التسجيل الصوتي، أسجل فيها كل انطباعاتي، ودرس حتى شكل القمر في تلك الليلة، وموقعه حسب السنة التي جرت فيها الأحداث حتى يتقمص تماما مع الشخصية التي سيكتب عنها.
ومن المواقف الطريفة أن أحد القراء حينما قرأ الرواية، بحث في الصحف الصادرة يوم 24 جون في نفس السنة التي جرت فيها أحداث الرواية، واكتشف حريق شب في نفس الليلة على الشارع الذي كانت تمشي فيه تلك الشخصية، فأرسل إلى ألبرتو إيكو. لماذا لم ترى الشخصية هذا الحريق؟.
هذا التقمص مع العالم المتخيل و الشخصية المتخيلة هي من سمات الأدب والرواية التي تسمح لنا كما يقول المؤلف، أن نعيد ابتكار تجربة غيرنا من بين البشر، وأن نكون قادرين على أن نتخيل وأن نشعر بألآم وأفراح ودوافع من يختلفون عنا، وعلى فهم العالم من وجهة نظر الآخر دون أن تضطر الرواية إلى تلقيننا أي درس اخلاق بصورة مباشرة.
لكن المؤلف يرى ان الناقد يجب أن لا يتقمص شخصيات العمل الأدبي تماما، بل يدعو إلى الإحساس بها، لأنك لا تستطيع أن تحكم على الشيء إذا تقمصته ستغلب عاطفتك على عقلك النقدي، وهذا ما يحدث لنا أحيانا عندما نتعاطف مع شخصيات لا نتفق معها. لأن التقمص يهدد ملكات النقدية، ولكنك بحاجة إلى أن تحمل هذه الشخصية على مقربة كافية منك لتحكم عليها دون أن تكون قريبة جدا منك.
الفصل الثالث
الفصل الثالث في الكتاب بعنوان السرد وهو من أجمل فصول الكتاب، يحاول فيه المؤلف أن يركز على جزء مهم جدا في أي قصة، وهو السرد، من الذي يحكي القصة؟ هناك أنواع من الرواة، هناك الرواه واسعو المعرفة أو الراوي العليم وهو الراوي الذي يفترض علمه بكل شيء يخص القصة.
فيحكي لنا أنه في يوم كذا حدث كذا، وهو ليس شخصية في القصة ، وهذا الراوي يفترض أنه يعرف كل شيء يخص القصة، وهو مصدرنا الوحيد لها، ويملك سلطة عالية، فمثلا لو قال هذا الراوي في القصة مات فلان لن يستطيع القارئ أن يعترض ويقول لا لم يمت.
مادام على غلاف الكتاب كلمة رواية، فنحن تنازلنا عن حقنا في الاعتراض، لكن المؤلف يقول أن هؤلاء الرواة لا ينبغي أن يبقوا من دون اعتراض حتى لو كانوا مجرد أصوات تحكي القصة وليس الشخصيات في العمل، يعني تحتاج أن تحاكم، أن تشك أيضا في هذا الراوي لأنهم قد تكون لهم انحياز اتهم أو جهلهم .
فلو وصفت رواية بطلتها بأنها ذات عينين خضراوين، لن نستطيع الاختصام أمام هذا الخبر، ولكن لو أوحت لنا بأن هذه البطلة هي أكثر النساء شرا، هنا قد يتحقق القارئ من هذا الراوي ويحكم على ضوء الأفعال التي تقدمها الرواية، وما يتفق مع الراوي في رأيه فالرواية قد تكون لها انحيازاتها التي يستطيع القارئ أن يقف عندها.
أحيانا يكون الراوي الذي يحكي القصة هو أحد الشخصيات الموجودة فيها، وتروى القصة من وجهة نظره وهنا لا بد أن يتمثل السرد لغة هذا الراوي وعقله وشخصيته، فمثلا قد يكون الراوي طفلا أو مراهقا، مثل رواية الحارس في حقل الشوفان، أو رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة.
فالطفل هو من يروي القصة، فنرى الرواية من وجهة نظر الطفل المحدودة، وقد يفهم القارئ أن القصة أكثر من فهم هذا الراوي الذي يحكي القصة بمعني ان الطفل قد يروي مشهدا، هو لم يفهم لمحدودية تجربته، لكن القارئ البالغ يفهم مغزاه.
وبعض الرواه قد لا تثق بهم فمثلا في إحدى روايات أجاثا كريستي، كان القاتل هو السارد نفسه الذي يحكي القصة، لكنه كان مستترا خلف عباءة السرد، فلم يشك القارئ فيه لأننا تعودنا أن السارد الذي يحكي القصة بريء، فالوقوف على الراوي الذي يحكي لنا القصة مهم جدا.
المقصد من كل هذا أن نعرف كيف تختلف تجربة القارئ عند قراءة النص الأدبي باختلاف السارد الذي يروي القصة لنا، هل هو راوي عليم؟ هل هو شخصية في الرواية؟ وأي شخصية في الرواية؟ لأن العمل الادبي يحمل ما هو أكثر من القصه فهناك السارد الذي غاب في روايته للقصة ورأينا كيف تختلف تجربتنا باختلاف السارد.
الفصل الرابع
الفصل الرابع بعنوان التفسير تحدث تيري إيجلتون عن أحد المعاني التي نعنيها عندما نصف نصا ما بأنه أدبي، فهو يرى أن النص الأدبي غير مرتبط بسياق وتفسير محدد، فما الفرق بين قراءة قصيدة وكتيب يشرح كيفية عمل الثلاجة، كتيب تعليمات الثلاجة؟ ما يكتسب معناه الا في حالة محددة، حينما تحتاج إلى تشغيلها او إصلاحها.
فأنت لن تأتي في يوم تشعر بالملل، ثم تقول سأقرأ كتيب تعليمات الثلاجة، أو يأتي أحد بعد سنوات من تطور التقنية، ويعود لهذا الكتيب ليفسر لنا رمزياته ومعانيه، فهذا لن يحدث، أما العمل الأدبي فهو غير مرتبط بسياقه الذي ظهر فيه حتى لو ظهر نتيجة لحدث معين.
فانت حينما تقرأ رواية مثل رواية مزرعة الحيوان التي كتبت قبل حوالي مائة عام ، وهي قابل للتأويل والتفسيرات، تختلف، ولا توجد إجابة نهائية لها، مثل كتيب التعليمات، وبالمناسبة عرضنا لها مراجعة هنا على موقعنا تستطيع الاطلاع عليها.
الفصل الخامس
هذا يقودنا إلى الفصل الخامس والأخير بعنوان القيمة، والذي حاول المؤلف أن يجيب فيه عن سؤال مهم ،وهو ما الذي يحدد القيمة الأدبية للنص؟ وكيف نحكم على عمل أدبي بأنه جيد أو رديء؟ إيجلتون لم يستطع الإجابة على هذا السؤال تماما، إنما عمد إلى أسلوب التعريف بالنفي.
فكان ينفي من يربط الأدب بابتكار جديد، ويقول ليس كل ما هو جديد ذا قيمة، وينفي ربط القيمة الأدبية بالتعقيد، وما لا يفهم، وهذا مهم جدا، ويرى أن التعقيد لا يمثل قيمة في ذاته، فبعض الأعمال تكمن قيمتها في بساطتها المؤثرة، ويرى المؤلف أن الأدب الذي يسعى إلى تعليمنا هو أدب ممل.
وأيضا، ينفي المؤلف ربط القيمة الأدبية بالمتعة، ويرى أنك قد تستمتع بقراءة كتب لا تعجبك، وتعجب بكتب لا تستمتع بها لأن المتعة قضية ذاتية، لن يعترض أحد لأنك تستمتع بأكل التفاح، بينما الإعجاب بالنسبة لايجلتون هو تقييم فني.
لكن الإجابة التي لم يستطع تحديدها إيجلتون هي معايير هذا التقييم، وهو يميل إلى أن معايير الحكم بالجودة على أي عمل أدبي تختلف باختلاف النوع الأدبي، يعني لا يمكن الحكم على قصيدة في نفس الحكم على قصة خيال علمي بل بعض المعايير قد تختلف باختلاف الثقافات.فيقول قد تحضر احتفالا من احتفالات قرى جبال الهملايا وقد تحكم على الحفل بأنه ممل أو مبهج، لأن هذا الاستمتاع قضية ذاتية كما قلنا، لكنك لا تستطيع أن تحكم على الاحتفال إذا كان قد نُفذ بطريقة جيدة أو لا، لأن هذا يتطلب منك أن تعرف معايير الجودة للاحتفال عندهم.