recent
أخبار ساخنة

لماذا يجب أن لا نقرأ؟

الصفحة الرئيسية

لماذا يجب أن لا نقرأ؟

مرحبا احبائي عشاق القراءة في كل مكان في الوطن العربي ومتابعينا على موقع الفوائد ، إذا كنتم تنتظرون مني أن أخبركم بفضل الكتب التي تقرؤونها أو أمدحكم فيؤسفني أنني سأخيب ظنكم لأن حديثي سيكون عن لماذا يجب أن لا نقرأ.


لماذا يجب أن لا نقرأ؟
لماذا يجب أن لا نقرأ؟

اعتدت في فترة على العزلة سكنت لوحدي فترة طويلة لم أكن أرى نفسي في عزلة حقيقية فقد كان يسكن معي العشرات من المؤلفين في الكتب الذين اتخذتهم لي أصدقاء ومؤنسين،  كانوا هم الأحياء بالنسبة لي وما سواهم من الأصدقاء هم الأموات ،استفدت من تلك العزلة مجازا ولم أكن أظن أنها يمكن أن تؤثر في نفسي سلبا حتى بدأت في الاختلاط بالناس.

  وجدت نفسي غريبا بينهم كأني في غير وطني كنت أتحسس من كلمات الناس التي لا يلقون لها بالا تضيق نفسي حينما يتحدث أحد في مسألة، ويجهل أصولها أو في رأي، ويعرضه بطريقة سخيفة اعتدت في كتبي على أصدقاء مثاليين جدا لم أضق بهم ذرعًا، إلا في مرات قليلة جدًا.

عالم مثالي

كان عالم الكتب، عالما مثاليًا لم أعتد فيه على أصدقاء يتحدثون بما لا يعلمون ويتظاهرون بما لا يملكون الشيء الذي لا يوجد هنا الناس هنا مختلفون جدًا عن الناس الذي اعتدت عليهم  حتى وقعت عيني بعد ذلك على نص للمازني يذكر المشكلة نفسها ويقول: 

 وبحسبي من ذلك أن صارت مجالس الناس وأحاديثهم عندي غثة لا تكاد تساغ ولا تستمرأ وإني مضطر أن أعالج نفسي لأطيقها وأصبر عليها ولا أقول لأستمتع بها وليس ذلك لعزوف طبيعي عن الناس وكراهية لمخالطتهم ولكنها الكتب قبحها الله ردتني كالمترف الذي تؤذيه خشونة العيش أليس قد عشت بين خير العقول وأحسن النفوس وألفت أن أتناول عصارة الأذهان وخلاصتها النقية الممحصة كيف لمن يقضي الشطر الأكبر من أيامه ولياليه بين شعراء الدنيا وكتّابها بإطاقة المستوى الذي لا تكاد ترتفع عنه أحاديث المجالس وما للكبر دخل في هذا ولا للغرور أصبع فيه ولا ظفر وإنما هي العادة التي يقولون عنها إنها طبيعة ثانية.

القراءة ليست غاية 

 هذه مشكلة حقيقية لأني أرفض فكرة أن ننظر للكتب كما لو أنها حياة أو عالم موازٍ للحياة التي نعيشها وكذلك تزعجني مقولة العقاد التي يكررها كثير من القراء بأنهم يبغون من القراءة حياة أخرى لأن حياة واحدة لا تكفيهم،  الكتب والقراءة هي جزء من هذه الحياة وليست هي الحياة ولا حياة أخرى وتغيئتها: أي جعلها غاية.

 فحقها أن تكون وسيلة لا غاية فحينما قال رجل لكافكا: "لا أستطيع العيش دون كتب، إنها بالنسبة لي العالم بأسره" قطب حاجبيه، وقال له: "هذا خطأ، إن الكتاب لا يستطيع أن يعوض العالم هذا غير ممكن، لكل شيء في الحياة معناه ووظيفته التي لا يمكن أن تُشغل بالكامل من قبل شيء آخر".

  فالذين عاشوا بالقراءة قد حرموا بجزء من الحياة عن الحياة ويذكرني هذا بنص كنت قد قرأته لفرناندو بيسوا يقول فيه: "كلما كان الإنسان أطول قامة تحتم عليه أن يحرم نفسه من أشياء كثيرة في القمة؛ لا مكان سوى للإنسان وحيدا كلما كان أكثر إتقانا، كان أكثر كمالا وكلما كان أكثر كمالا، كان أقل آخريه".

  ولعلي أستدرك قليلاً، أو أضيف بمعنى أدق على عبارة بيسوا الأخيرة بأن ما يحرمك من الأشياء الكثيرة أو يجعلك أقل آخرية ليس شرطًا أن يكون لأجل أن الإنسان أطول منهم قامة أو أكثر إتقانًا، أو كمالا لكن مجرد الاختلاف عن السائد مما عليه الناس أو مما يقومون به هو ما يجعلك كذلك ،ودعوني أقول لكم، أنكم حينما تكونون مختلفين عن الآخرين فإن هذا لا يعني بالضرورة أن اختلافكم هو للأفضل.

مشاكل القراءة

  ومن مشكلات القراءة الكبرى في نظري أنها قد تصور أو تبعث في نفس القارئ هذا الشعور الذي قد يدفعه إلى ازدراء الآخرين أو عدم الاعتداد بآرائهم أو توهّم أنه أصوب رأيا وفكرا من غيره فقط لمجرد أنه يقرأ وحتى أكون دقيقًا إن هذه ليست مشكلة القراءة لكنها مشكلة القراء.

  وإذا كانت القراءة كما قلنا حقها أن تكون وسيلة، لا غاية فإنها إذا دفعت بصاحبها إلى هذا الشعور فإنها قد أخفقت ثم إن الأفكار والمعارف، لا تعرف وطنًا واحدًا لها حتى لا تكون إلا في الكتب والإبصار فيها، لا يكفي بلا بصيرة ولربما كان المبصر بتجارب الحياة أعظم فكرًا من غيره .

خدعة المثقفين

وللكاتب هنغاري قولاش، نص جميل جدًا يقول فيه: "قرأت ألف كتاب لكني تعلمت من عامل المقهى الأمي ما لم أتعلمه في جميع الكتب التي قرأتها وكنت أراه أبصر مني بالحياة لأنه كان يسمع منها في حين كنت أسمع من الكتب عنها عبارة جدًا جميلة أيضًا، الكتب ليست مقدسة حتى لا تحمل خطأ، أو تضليل ككل المصادر الأخرى.

  على سبيل المثال ذكرت لكم للتو نصًا، لهنغاري قولاش وفي الحقيقة، لا يوجد هنغاريًا اسمه غولاش ولكن غولاش، هي أكلة هنغارية مشهورة والنص الذي نقلته عنه هو نص كتبته أنا ولربما لو لم أخبركم بهذا لما بحث عنها أحد ولظل مأخوذًا بهذا الاقتباس والاسم الذي لا هدف من ورائه سوى إضفاء تأثير على الفكرة بتدعيمها باسم أجنبي ولو كان اسم أكلة.

الفائدة

احبائي القراء في كل مكان في الوطن العربي ، صحيح ان القراءة هي جزء أساسي من حياة المثقفين فهى تثقلهم بمعارف كثيرة وتوفر عليهم مئات السنين من خبرة الكتاب والمؤلفين وتضيف اعمارا الى أعمارهم ، لكن نصيحتي لكم الا تجعلوها هي كل حياتكم بل جانبا من جوانب حياتكم ، والا تعلو بما قرأتموه على غيركم ممن لم يقرؤوا.
google-playkhamsatmostaqltradent